beforeheader desktop & mobile

beforeheader desktop & mobile

afterheader desktop & mobile

afterheader desktop & mobile

تحقيق: ثلاث حكايات عن غضب رسمي نزل باهرمومو

دريس منوار واحد من سكان المنطقة وضابط صف عاش في سجنين أحدهما مادي والآخر معنوي الطريق إلى رباط الخير أو اهرمومو، الاسم الأصلي لمدينة احتضنت سبب سعادتها وشقائها، أكبر مدرسة عسكرية على المستوى الإفريقي، ولم تمثل بالنسبة إليها طاحونة اقتصادها وتنميتها فحسب، بل كانت أيضا عش أحلام أبنائها، في ارتقاء سلالم الجندية واحتلال المراتب الأولى في صفوة المجتمع. لكن بعد محاولة انقلاب الصخيرات التي خرجت مخططاته من رأس مدير هذه المدرسة الذي لم يكن سوى امحمد اعبابو، نزل عليها سخط رسمي
وأحيطت بها أسوار الإهمال، فعاش فيها البشر والحجر محاصرين.  إدريس منوار هو أحد أبناء اهرمومو وهو في الوقت نفسه أحد ضباط الصف الذين زج بهم في محاولة انقلاب لم يعلموا عنها شيئا،
يحكي قصته وقصة مدينة عاشت معه المصير نفسه. ومازالا معا ينتظران رد الاعتبار من هيأة قدمت المصالحة وأجلت الإنصاف.

قصة ادريس منوار تشبه كثيرا قصة بلدته الصغيرة اهرمومو أو رباط الخير، الاسم الذي اتخذته المدينة بعد الغضبة الرسمية التي نزلت عليها، وأبطأت سرعة تنميتها لتضبطها على نقطة الصفر.

حكاية رجل…
هو رجل في الستين من العمر، عندما تنصت إلى حكايته تجد فيها شيئا من التطابق، وخطوط التقاء كثيرة مع حكاية المدينة الباردة المهملة جغرافيا عند سفوح أعلى قمة جبلية في الأطلس المتوسط، جبل بويبلان، وسياسيا واقتصاديا في صندوق العزلة والإقصاء.
هي مسقط رأسه، وفيها تقوى عود يفاعته، وفيها تشكلت ملامح مستقبله، وكان الشاب آنذاك يعتقد أن البداية كانت من هنا والنهاية، حتما، ستكون في مراكز الصفوة والقرار. إلى أن جاء رجل آخر كان يبحث لنفسه عن نهاية أخرى وعن حلم آخر فأهلك أحلام الآخرين بما فيها أحلام ادريس منوار.
لقلب صفحات كتاب ادريس لابد من اجترار السؤال نفسه، الذي لم تنفع السنوات في تعرية رؤوسه الحادة، بل أصبح أكثر قسوة وأكثر شحذا، وكلما طرح على ادريس ينغرس مباشرة في قلبه. وتبدأ آلة الذاكرة في السرد، بالتفصيل الممل، تخرج العبارات مبللة بدموع يضغطها ادريس ويطردها إلى الخلف، وحين يشعر أنها اقتربت من حافة الانهيار يستسمح ضيوفه وينقل معركته مع دموعه إلى الخارج، قبل أن يعود وقد كست حمرتها عينيه.
لا يحتاج إدريس إلى البحث في خبايا الذاكرة البعيدة أربعين سنة، بل تقع الأحداث على طرف لسانه، «حين ارتديت، لأول مرة، زي ضابط الصف، شعرت بقيمة أكبر، وحين رقيت إلى قائد فرقة (شاف دو كومسيون) شعرت بأني متميز، وكنت كذلك، فلم أدخل سلك الجندية فقط لألبي نزوة ما، بل لأنه كان حلمي»، ومازال، فادريس لا يشعر أبدا أنه ترك الجندية، بل أبعد عنها قسرا، ومازال يعيش حياته بالطريقة نفسها، يتحدث لغة فرنسية سلسلة كما تعود في الثكنة العسكرية، الطريقة التي يقف بها توحي أنه كولونيل أو جنرال، وبعض زملائه بالفعل حصلوا على هذه المراتب. وحتى ألوان ملابسه لا تخلو من ألوان أزياء الجيش، فيختار بتلقائية اللون الكاكي والأخضر، وليكون قريبا من السلاح، أصبح من هواة الصيد، لذلك حين تضيق به روحه وتحرض فيه نفسه الأحلام القديمة يحمل سلاحه ويتوجه نحو الغابة ليسمع صوت رصاصاته تشق سماء غابة ساحرة باهرمومو.يعود، إذن،ادريس بالحديث إلى اليوم الذي دخل فيه المدرسة العسكرية اهرمومو، «لم يكن حينها اعبابو هو المدير، ولذلك لم يكن حالها جيدا، إذ لم يعتن بها مديرها السابق كما يجب، وكنت قد التحقت بها بعد أن استكملت دراستي الثانوية بآزرو ثم المنزل قبل أن ألتحق بها، حيث بدأت أؤثث أحلامي العسكرية، وجاء اعبابو ليعطيني ما كنت أبحث عنه من جدية في العمل، إذ كان صارما ويكافئ كل الذين يظهرون انضباطا كبيرا، فحصلت في عهده على رتبة قائد فرقة، بعد أن ألزمنا اعبابو بإضافة سنة أخرى في التكوين، إذ قال لنا بالحرف: لتصبح ضابط صف فإن تكوين سنتين كثير عليكم، لكن لتصبحوا ضباط صف وتقودوا فرقا خاصة، فإن سنتين أيضا قليلة، لابد من إضافة سنة أخرى في التكوين، وهذا الأخير في عهد اعبابو ليس مجرد قفز على الحواجز والجري هنا وهناك، بل أضاف اعبابو إلى المدرسة تقنيات جديدة، أخطرها حبال طارزان، إذ يكون عليك أن تقفز من حبل إلى آخر كما لو كنت طارزان، وإذا سقطت فإنك لن تستيقظ إلا في غرفة الإنعاش، كما أضاف تقنيات أخرى ليصبح طلاب المدرسة من أفضل المتخرجين، بل إن المدرسة أخذت إشعاعا كبيرا في عهد إدارته لها».
لا يذكر ادريس التفاصيل إلا ويبرز ظل اعبابو فيها «هذه أشجار اعبابو…مازال السكان ينادونها ب»تايدا نعبابو»…»، «طريقة التدريب تلك أتى بها اعبابو من دول أخرى متقدمة عسكريا…»، «حين يذكر أحد اسم اعبابو فإن الفرائص ترتعد»، «كنت أقف إلى جانب اعبابو…ولا أرى وجهه الآخر…بل وجه الرجل الذي جاء ليفدي ملكه…»…
في كل العبارات اسم اعبابو يركض في المساحات الشاسعة لذكريات ادريس، ويدق مناطقها المجروحة حتى بعد مرور أربعين سنة، يطؤها بقوة عابر ذات زمن، ويدميها، فما توقع ادريس من قائده أن يقتلعه من تربة أحلامه ويدفنه في تربة لم يفلح في التكيف معها، فكونه اليوم سائق سيارة أجرة، لا يرضي كبرياءه، وهو الذي كافح من أجل الجلوس في المراتب الأولى لطلاب المدرسة العسكرية، كما أرهق ذاته ليكون خير ضباط الصف المنضبطين.   

ضباط لكل الأوامر…
«جعل منا اعبابو خيرة المتخرجين طلبة وضباطا صف وضباط بل كنا زبدة المتخرجين، وحين أحس هو نفسه بذلك واكتمل يقينه، خاصة أننا كنا نجري تداريب بالرصاص الحي في حقول الرماية، ولأن المنطقة معروفة بالغربان، فقد كنا نصوب إليها، ونصوب إلى الحجر وكل شيء، المهم كان تدريبنا حقيقيا في المنطقة، ومساء ذات يوم أعلنت حالة طوارئ، الكل يجري هنا وهناك حملنا الأسلحة الحقيقية وتلقينا أمرا بالتوجه إلى مدينة الحاجب للقيام باستعراض قدرتنا أمام مسؤولين عسكريين آخرين، ونحن في طريقنا إلى هناك ألغيت المهمة وعدنا إلى المدرسة حيث قضينا ثلاثة أشهر أخرى في أقسى التداريب وكأننا مقبلون على حرب، كل الطلبة كانوا يطيعون الأوامر، مهما كانت، وقد نجح بالفعل اعبابو في إعدادنا لإطاعة أي أمر، واختار لذلك فرقا خاصة»، بعد مرور ثلاثة أشهر كان اعبابو يقف عند كل «شاذة وفادة» يقول ادريس منوار، قبل أن يضيف «يغافل الطلبة والضباط وضباط الصف، وشخصيا كنت يوما ألقي الدرس فإذا به يدخل فجأة، والكل حينها يبحث عن رضاه، لأنه كان شديد الصرامة، شعرت أن أنفاسي تخونني، ولم أشعر بالراحة إلا بعد أن غادر مبديا رضاه عني، رغم أني كنت أخشى أن يطلب مني وثيقة الدرس، وكنت قد تركتها في الغرفة، وحين يبتسم اعبابو لك فمعنى ذلك أنك متميز، وهذا ما استغله اعبابو، استغل طاعتنا العمياء واجتهادنا في فعل أي شيء يأمرنا به، استغل تميزنا وانضباطنا الكبير».
تخرج الكلمات من فم ادريس وكأنها تريد أن تنفصل عنه، وتعبر عن شيء خبأه طويلا في تخوم الروح، تخرج وكأنها تبحث عمن يسمعها، وليس لإشباع حاجة أسئلة تطرح على الرجل، تخرج الكلمات ساخطة، تصب جام غضبها على عدم الإنصاف وعلى وضع بيض المدرسة برمتها في سلة اعبابو.
قبل محاولة الانقلاب بيوم واحد، لمح ادريس اعبابو وهو يضحك مع أحد الضباط، «طلب منا الاستعداد، وما أن دقت الساعة الخامسة مساء حتى كنا قد أنجزنا كل المهام، أعددنا السلاح ورتبنا كل شيء، لننطلق في الساعة الثانية صباحا من اليوم الموالي، والغريب أننا مررنا من كل الطرق بسلام، اسلحتنا ظاهرة للعيان، لذلك لم يشك أحدنا في أي شيء، فقد قيل لنا سنجري استعراضات وتداريب في بنسليمان، وشخصيا أفرغت قنينة الماء وعبأتها بمشروب غازي «فانتا»، استقللت الشاحنة العسكرية التي كان فيها الضابط مجاهد، مررنا ببئر طمطم وفاس ومكناس وزاكوتا، وهناك تناولنا فطورنا في الخلاء ثم ركب معنا الكابتان بالكبير وشلاط وغلول. فعلا انطلقنا ووصلنا إلى بوقنادل، وهناك انتظرنا وصول لجنة عسكرية قيل لنا إنها ستغير الأوامر، وبالفعل، فجأة أمرونا بالتوجه إلى القصر الملكي بالصخيرات لإنقاذ حياة الملك».
كانت الأوامر واضحة، «إنقاذ حياة الملك وإطلاق النار على كل من يعصي الأوامر». ومهمة ادريس انحصرت بداية في حراسة باب القصر، «أغلقت مدخل الباب مع فرقتي وبالفعل حضر عساكر آخرون فلم أسمح لهم بالدخول، ولم أسمح لآخرين بالخروج، كما منعت مدنيين من ذلك أيضا، وأغرب شيء رأيته يومها هو أن أغلب المدنيين كانوا مسلحين، حتى النساء، إذ كانت أوامري هي حجز كل الذين يعصون الأوامر في الشاحنة وقتل كل من حاول منهم الهرب، وكنت حين أفتشهم أعثر على سلاح، منهم زوجة أحد السفراء الأجانب، إذ عثرت في حقيبتها على كلاشينكوف متوسط الحجم».

مجزرة…
حسب شهادة ادريس منوار، لم تبدأ المجزرة الحقيقية إلا حين أردى دركي طالبا من مدرسة اهرمومو بالرصاص، «كما لو أنها إشارة مجزرة، إذ أعطى اعبابو الأمر بالقتل وأصبح شبه مسعور، حينها طلب مني مرافقته مع فرقة من الطلبة، «دخل اعبابو إلى القصر وطلب من الجنرالات والكولونيلات الوقوف، وأمر الكولونيل بوالحمص بالتقدم منه، فقال له بداية «مون ريسبي مون كولونيل (احترامي سيدي الكلونيل) وأضاف: قلت إن مدرسة اهرمومو تصنع الحمير، ولكنها تصنع الرجال»، ثم أمر طالبا بقتله، لكن الأخير تردد، فقتله اعبابو ثم صوب مسدسه إلى الكولونيل بوالحمص الذي كان حينها مديرا لمدرسة عسكرية بمراكش، وقبلها بأشهر كان اعبابو أرسل مجموعة صغيرة من طلبتنا إلى هذه المدرسة لتلقي تكوين معين، إلا أن الكولونيل بوالحمص سبهم وقال ما قاله عن مدرسة اهرمومو، وجاءت المناسبة ليصفي اعبابو حساباته مع بوالحمص، أول سؤال اشتعل في رأسي هو السبب الداعي إلى قتل الطالب؟ ثم فكرت أنه ربما لأنه عصى أوامر قائده وحياة الملك في خطر ولا تستحمل العصيان، ثم شرع في قتل بعض الجنرالات ولم يتوقف إلا حين وصل شقيقه وطلب منه التوقف، ولم أبدأ في الشك فعليا، إلا حين تقدمت من الكابتان بالكبير وغلول وسمعت أحدهما يقول للآخر: «زطمنا هذا الكلب» (وطأنا هذا الكلب)، ما يعني أنهما أيضا لم يكونا على علم بما خطط له اعبابو، فوحدها دائرته الخاصة كانت تعلم واللجنة التي حضرت من القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، كنت إلى يمين اعبابو، حين حضر الجنرال المذبوح وقال له اعبابو بالأمازيغية، «عزيزي ما كلان؟ فرد عليه أورا أكيدي، بمعنى ماذا جرى؟ فرد عليه المذبوح تعال معي ولا تحضر معك فريقك، لكن اعبابو طالب الفريق بالسير وراءه بإشارة من يده اليمنى، وحين أدار المذبوح رأسه ولمح الفريق وراءه قال لاعبابو بلهجة ساخطة: قلت لك لا تحضر الفرقة، وكان رد اعبابو مفاجئا وسريعا إذا صوب إليه مسدسه وأرداه قتيلا، وبدا أن هناك شيئا غامضا حينها، وبالنسة إلي فات الأوان على كل شيء، ركبنا معه شاحنة وتوجهنا إلى القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية وكان ضابط صف مثلنا كنوش وهو الآن كولونيل، آخر من بقي في القصر وهو بالفعل من نجح في تنفيذ أمر إنقاذ حياة الملك، وهو شاهد على أننا أبرياء، ويمكنكم طلب شهادته، ساعده الحظ وطبق الأوامر التي تلقاها مثلنا أي إنقاذ حياة الملك، إذ حين عثر على الملك تقدم منه وقال له إنه في حمايته فطلب منه الملك إفراغ سلاحه من الرصاص وحمايته عبر فرقته، كما عاهدهم  الملك بأن لا يمسهم سوء».بعد مقتل المذبوح وقع ارتباك، واعبابو الذي كان في حالة ارتباك، أمر ضباط الصف والطلبة بالتوجه معه إلى القيادة العليا ومنها إلى مقر الشرطة للاستيلاء عليه، «كنت قريبا حينها من اعبابو، وتحت أوامره المباشرة، وسمعته يتحدث إلى ساعده الأيمن عقا حول خطة الاستيلاء على مقر الشرطة، فنصحه أولا بإزالة نياشينه ليختلط بالطلبة، لحظتها وصل الجنرال البشير وهو يرتدي جلبابا أبيض، ورأى اليوطنان عزمي، فقال له حتى أنت معهم، فرد عليه بأنه لا يعرف شيئا، ليعطيه سلاحه، وهنا خاطب اعبابو الذي كانت تفصله عنه مسافة أمان كافية: «أجي لهنا يا السلكوط»، تردد اعبابو قبل أن يتقدم وغرضه تصفية البشير لأنه كان يهدف إلى ترك مسافة ثلاث أمتار بينهما ليرديه، لكن البشير سبقه ورماه بالرصاص، قبل أن ينتقم منه عقا ويقتله بسلاح «أ 52»، كما قتل خمسين آخرين كانوا معه.
وشخصيا لم أخرج رصاصة واحدة لأنه لم تأت أي فرصة لأضرب، ولو قال اعبابو افعل لنفذت أمره».
يحكي ادريس التفاصيل، ويحرص على أن تكون مرتبة، متتالية، لأنها شهادة وتجربة عاشها ولم تنفع كل السنوات الطويلة التي تفصله عنها، في إقبارها ومحوها من الذاكرة، أو على الأقل في تخفيف وقعها، فيكمل، «حين مات اعبابو، انتهى بالنسبة إلي كل شيء، تركت المكان وتوجهت نحو خمسة آخرين ركبنا «جيب عسكرية» وانطلقنا عائدين إلى المدرسة، وبالفعل تجاوزنا عدة حواجز ونجونا منها بأعجوبة، وبالفعل شعرنا ب»شمتة»، لأن اعبابو زج بنا في حفرة نار، واختار عنا مصيرنا، وكانت حقيقة الفوضى تعم كل مكان، الدبابات مقبلة من هنا وهناك، الحواجز الأمنية، ورغم ذلك نجونا، وراوغنا دركيين تبعونا مسافة طويلة ثم عادوا أدراجهم».
عاد إدريس إلى بيته واستسلم لنوم عميق، «فعلا نمت، ولم أفكر في الأمر طويلا، بل كنت أدرك أني بريء، بل لم أتصور أني سأتهم اصلا بأي شيء، فنمت قرير العين، إلى الساعة الحادية عشرة صباحا من اليوم الموالي، لأستيقظ وأخرج من البيت، وغير بعيد عنه صادفت قائد المنطقة ويبدو أنه كان متوجها إلى بيتي، ليقلني عبر سيارته واستفسرني على متنها عما جرى، فقلت له: لا أعلم، لم أكن أعلم أن الأمر يتعلق بانقلاب إلا بعد أن فات الأوان، بل إني واجهته بحقيقة أنه لطالما جالس هو الآخر رؤسائي بمن فيهم اعبابو، وقلت له: هل أخبرك أنت شخصيا بما كان يفكر فيه؟».
قضى ادريس وآخرون ثلاثة أيام محتجزين في المدرسة قبل أن ينقلوا إلى الرباط حيث قضوا شهورا عصيبة، في التحقيقات، وفي معاملة سيئة، «عصبوا عيني لثلاثة أشهر متوالية، كما كنت مقيد اليدين إلى الوراء، وحينها تساءلت: ما الخطأ الذي ارتكبته؟ هل كان في إطاعتي لأوامر قائدي خطأ ما؟ أليس هذا ما تدربنا عليه؟ ثم إني لو كنت أعلم أن اعبابو كان يخطط لقتل الملك لوجهت إلى رأسه بندقيتي، ولكن قضاء وقدر، تجربة زج بنا فيها دون ذنب، وحوسبنا عليها».
18 شهرا هي نصيب ادريس منوار في السجن المركزي بالقنيطرة، قبل أن يطلق سراحه، ليعود إلى المدرسة من جديد ويفاجأ بأنه خارج الخدمة العسكرية، و»بعدها زج بي في سجن آخر، انفض الأصدقاء من حولي، كان  القائد وأعوان السلطة ملازمين لي، يحاصرونني في كل مكان، يسألونني أي ذهبت ماذا تفعل هنا؟ أين أصدقاؤك القدامى؟ ولا تنتهي أسئلة هؤلاء حتى تبدأ أسئلة موفدي العمالة والمخابرات وكل أصناف الأجهزة، واستمر الحال على هذا النحو سبع سنوات متتالية، لم أحصل فيها على عمل، ولا فرصة للانتقال إلى مكان آخر، خاصة أني حصلت على عقد عمل في فرنسا، وحين توجهت إلى القيادة لإعداد جواز سفر طالبني القائد برؤية العقد، فمنحته إياه ليأمرني بالعودة يوما آخر لاستيلامه، إلا أنه احتجزه إلى يومنا هذا، وحرمت من جوازي ومن أي فرصة للعيش بسلام».تعايش ادريس مع سجنه الجديد بصعوبة، وامتهن سياقة سيارات أجرة، في مدينة لا يوجد فيها مسافرون، ثم جاء خبر الفرج على جناحي هيأة الإنصاف والمصالحة، «شعرت براحة، قلت الحمد لله، الدولة تمد لنا يدها، واقتنعنا بفكرة المسامح كريم، لكن يبدو أن في الأمر انتقائية، لأنه حين مددنا يدنا للمصالحة أيضا ردت علينا الهيأة بعبارة «عدم الاختصاص»، وذلك بعد ماراثون إعداد ملفات، إذ طلب منا جلب المحاضر من المحكمة العسكرية وما يعنيه ذلك من مماطلة ورفض، قبل أن يسمحوا في النهاية بمنحنا نسخة عنها، وفي نهاية المطاف أخبرنا أن الرد الوحيد الذي نستحقه على كل هذه المعاناة وهذا المصير هو»عدم الاختصاص».
الهموم التي عاشها ادريس لم تورثه الكآبة وحدها، بل أيضا أورثته داء السكري، وعملية جراحية خضع لها على كتفه بسبب إصابة تعرض لها وهو رهن الاعتقال.
ماروك أوي:إنجاز ضحى زين الدين تصوير عبد المجيد بزيوات – الص

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد