beforeheader desktop & mobile

beforeheader desktop & mobile

afterheader desktop & mobile

afterheader desktop & mobile

التداول الديمقراطي على السلطة

في البداية أود أن أشير، إلى أنني كنت في ما مضى من الأيام، معجبا بفتاوى الشيخ يوسف القرضاوي، الذي مثل ومنذ زمن بعيد التيار الإسلامي المعتدل، الذي يحاول التوفيق بين ثوابت الأمة، وإكراهات الحاضر ومتطلباته؛ مقابل حركات متطرفة، كانت وما تزال تعيث فسادا في الأرض، بإصدارها لفتاوى تثير الرعب أحيانا، وأخرى تثير الضحك، من قبيل الدعوة للجهاد وتحريم الموسيقى والعطر، وغيرها من الفتاوى الغريبة والعجيبة، التي لا تمت بصلة للعصر ولا للواقع.  

   في آخر التصريحات التي وصلتني، يصرح الشيخ يوسف القرضاوي، أن “زمن الإسلاميين قد حان، بعد أن تعاقب الليبراليين والعلمانيين على الحكم”. الشق الأول، من التصريح لا اعتراض عليه، فالديمقراطية لا تستثني أحدا من الفرقاء السياسيين، أو تصادر حقه في الوصول إلى سدة الحكم. أما الشق الثاني، والذي يبرر من خلاله أحقية الإسلاميين في الحكم، فيطرح حسب وجهة نظري، مغالطتين اثنتين على الأقل، لأنه يجعل من الحكم “وزيعة لي كل حقو منها يغمض عينيه، أو يخلي لخوه النوية باش يكل حقو”، أما الاعتراض الثاني، فيمكن صياغته على شكل سؤال، وهو ما سأتصدى له بالتحليل في هذا المقال: متى حكم العلمانيون والليبراليون العالم العربي؟!

   لا يخفى على أحد من المتتبعين للشأن السياسي في العالم العربي، أن الأنظمة التي سادة خلال الفترة الفاصلة بين استقلال الدول العربية وثورات الربيع الحالية، هي، إما ملكيات حافظت على عروشها (السعودية، المغرب..) أو جمهوريات انقلبت على ملكيات (مصر، سوريا..)، أو جمهوريات أسست لها حركات التحرير الوطني (تونس، الجزائر..).

   هكذا، توزع العالم العربي أنظمة ذات مشروعية تاريخية، حافظت على ثوابت الأمة السياسية والثقافية والاجتماعية؛ وأخرى ذات مشروعية ثورية، سعت إلى تقويض البنيات الثقافية والاجتماعية والسياسية القائمة، وإحلال بدلها بنيات حديثة عصرية، هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فقد انخرطت هذه الأنظمة، في الاصطفافات العالمية التي كانت سائدة حينها، وانقسام العالم إلى المعسكرين الغربي والشرقي، وصراعهما على مناطق النفوذ حول العالم. ولعل حرب أفغانستان أثناء الاجتياح السوفياتي، مثلت أوج الصراع بين الأنظمة العربية على المستوى العالمي، دون إغفال الصراعات الإقليمية بينهما.

   رغم انتهاء الحرب الباردة بسقوط جدار برلين، وتفكك المعسكر الشرقي، ودخول العالم في ما سمي بالنظام العالمي الجديد، واكتساح الموجة الثالثة للديمقراطية العالم، بانضمام دول أوربا الشرقية وأمريكا الجنوبية.. لنادي الدول الديمقراطية، ومرورها مرور الكرام على الدول العربية، دون أن تحدث أي تأثير إيجابي على الجسد العربي المثخن بالجراح، بل الأدهى من ذلك تفاقمت معاناته، باجتياح العراق للكويت، ومشاريع التوريث في الجمهوريات العربية.. وأخيرا، أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي يمكن أن تعد نقطة تحول في العام العربي، بانخراط العالم الغربي في ما يسمى بالحرب على “الإرهاب”، باجتياح العراق والتبشير للشرق الأوسط الكبير.  

   لقد اعتقدت الأنظمة “المحافظة”، أنها انتصرت في حربها على الأنظمة “التقدمية”، بعد انسحاب الروس من أفغانستان؛ لكن، سرعان ما “تاحط يدها في التراب”، بعد أن تعالا غبار تهاوي برجي التجارة العالمي…

   بعد كل هذا، خرج الشارع العربي من المحيط إلى الخليج، مطالب بالحرية والكرامة؛ فكل الأنظمة العربية، ورغم اختلافها الأيديولوجي التي يبقى سطحيا، ففي بنيتها العميقة، لا تختلف كثيرا، بل تتشابه، فهي تشترك في كونها أنظمة استبدادية. لذلك لم يرفع المتظاهرون شعارات إيديولوجية، مثل الوحدة أو القومية أو الاشتراكية أو الحاكمية.. الشعوب العربية خرجت إلى الشارع، لتقول كفى للاستبداد كفى للأيديولوجيا سواء أكانت دينية أو فلسفية. المواطنون العرب يريدون الحرية والكرامة، يريدون أنظمة تحترم إنسانيتهم، ولا يهم في ذلك، أن تكون إسلامية أو ليبرالية أو علمانية.. المهم، أن تحترم اختياراتهم؛ فلزمن طويل صادرت الإسلاموية أو العلمانوية أو القومجية أو الوحدوية.. إرادتهم.

   دعوا المواطن العربي يختار، حينها مرحبا بالأحزاب الإسلامية أو الليبرالية أو العلمانية..، إذا هي أقنعتنا ببرامجها، برامج يظهر من خلالها أنها قادرة على تدبير اختلافاتنا الدينية والعقدية والعرقية، وتلبية تطلعاتنا في ما يخص الديمقراطية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، مع احترامها للشرعية الديمقراطية، المبنية على التداول السلمي للسلطة.

صلاح مفيد  

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد